كتب كمال طبيخة أن صفقة الغاز الضخمة بين إسرائيل ومصر، التي تصل قيمتها إلى 35 مليار دولار وتمتد حتى عام 2040، وضعت القاهرة أمام اختبار دقيق بين الحسابات الاقتصادية والغضب الشعبي، في ظل الحرب المستمرة على غزة وما خلّفته من حساسية شديدة تجاه أي تعامل مع إسرائيل.
وأوضح موقع ذا ناشيونال أن الإعلان الإسرائيلي عن الصفقة فجّر موجة انتقادات داخل مصر، مع تصاعد الغضب الشعبي بسبب الحرب التي أسفرت عن مقتل أكثر من 70 ألف فلسطيني، وفق تقديرات متداولة، وهو ما جعل أي إشارة إلى تعاون اقتصادي مع إسرائيل مسألة شديدة الحساسية.
رواية إسرائيل.. ومأزق القاهرة
ظهر رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو على شاشات التلفزيون ليعلن موافقة حكومته على أكبر اتفاق تصدير في تاريخ إسرائيل، مقدّمًا الصفقة بوصفها انتصارًا للبراجماتية والسلام. وقال إن ضخ الغاز من حقل ليفياثان إلى مصر سيساعد على «ضمان الاستقرار في منطقتنا».
قدّمت الحكومة الإسرائيلية الصفقة باعتبارها قصة نجاح متكاملة: إسرائيل قوة طاقة صاعدة، والولايات المتحدة حليف موثوق، ومصر دليل حيّ على أن التعاون مع إسرائيل يجلب الازدهار. لكن هذه الرواية تحولت سريعًا إلى عبء سياسي على القاهرة.
اجتاحت وسائل الإعلام المصرية ومنصات التواصل الاجتماعي موجة من الانتقادات والرفض، إذ رأى كثيرون أن حديث نتنياهو عن الاستقرار الإقليمي يتناقض مع استمرار القصف في غزة، حتى بعد إعلان وقف إطلاق النار. وبالنسبة لشرائح واسعة من المصريين، الذين يعتبرون أنفسهم حماة للقضية الفلسطينية، بدا المشهد صادمًا.
«صفقة تجارية بحتة».. خطاب الاحتواء الرسمي
تحركت الهيئة العامة للاستعلامات في مصر سريعًا لاحتواء الغضب. وأصدر رئيسها ضياء رشوان بيانًا أكد فيه أن اتفاق الغاز «تجاري بحت»، ويقوم على اعتبارات اقتصادية واستثمارية فقط، من دون أي أبعاد أو تفاهمات سياسية.
نفى رشوان أيضًا تقارير تحدثت عن ترتيبات لعقد لقاء بين رئيس الانقلاب عبد الفتاح السيسي ونتنياهو بوساطة من الرئيس الأميركي السابق دونالد ترامب في منتجع مارالاغو بفلوريدا. وخلال سلسلة من المقابلات التلفزيونية، تصدّر رشوان مشهد إدارة الأزمة، داعيًا المصريين إلى النظر إلى الصفقة من زاوية المصلحة الوطنية لا المساومة الأخلاقية.
شدد المسؤول المصري على أن المدفوعات في إطار الصفقة تذهب إلى شركة شيفرون الأميركية المشغّلة لحقل ليفياثان، لا إلى الحكومة الإسرائيلية، مؤكدًا أن مصر تسعى إلى الحفاظ على موقعها بوصفها «المركز الإقليمي الوحيد لتجارة الغاز في شرق المتوسط».
وردًا على مخاوف من استخدام عائدات الغاز في تمويل الحرب على الفلسطينيين، قال رشوان إن صادرات الغاز تمثل أقل من 0.6 في المئة من الناتج المحلي الإجمالي لإسرائيل، ولا يمكنها إحداث فارق جوهري في اقتصادها. وأضاف أن قدرات مصر على تسييل الغاز تفوق بكثير الكميات الواردة من الحقول الإسرائيلية.
مع تصاعد الانتقادات، ازدادت لهجة الدفاع الرسمية حدة. وأشار رشوان إلى تهديدات أطلقها نتنياهو في أحد البرامج التلفزيونية بإلغاء الصفقة خلال مراحل التفاوض، واعتبرها «مزايدات سياسية»، مؤكدًا أن إسرائيل تحتاج إلى الاتفاق أكثر مما تحتاج إليه مصر، وأن القاهرة لن تسمح باستخدام الصفقة للضغط على أمنها الطاقي.
انتقادات دولية وحسابات أخلاقية
لم تنجح الرواية المصرية في كبح الانتقادات الدولية. ومن جنيف، وصفت فرانشيسكا ألبانيزي، المقررة الخاصة للأمم المتحدة المعنية بفلسطين، الصفقة بأنها انتهاك للقانون الدولي، معتبرة شراء غاز بقيمة 35 مليار دولار من إسرائيل «إشارة صادمة على دعمها خلال إبادة الفلسطينيين»، ودعت الدول إلى عدم تقديم الأرباح على الإنسانية.
عكست تصريحات ألبانيزي، التي انتشرت على نطاق واسع، جدلًا أخلاقيًا وقانونيًا أوسع حول الصفقة، وربطت بين استمرار الحصار وعدد الضحايا في غزة وبين فشل المجتمع الدولي في محاسبة إسرائيل.
يرى مراقبون أن هذا الجدل يفسر حذر القاهرة في إدارة علاقاتها مع تل أبيب، رغم دورها كوسيط رئيسي في مفاوضات غزة. فحتى لو حمل الاتفاق فوائد اقتصادية ملموسة، يبقى أي تقارب سياسي مع إسرائيل مرفوضًا شعبيًا ومحفوفًا بالمخاطر دبلوماسيًا.
من وجهة نظر إسرائيل، يعزز الاتفاق صورة «الطبيعية» في لحظة عزلة دولية متزايدة. أما من منظور مصر، فيوفّر إمدادات مضمونة وعائدات من النقل والمعالجة، لكنه يفرض كلفة سياسية عالية. وبين الربح والانطباع العام، تواصل القاهرة السير على حبل مشدود، في واحدة من أكثر لحظات التوازن تعقيدًا في تاريخها الحديث.
https://www.thenationalnews.com/news/mena/2025/12/21/profit-and-perception-how-egypt-is-managing-fallout-from-gas-deal-with-israel/

